القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة جدلية: العنف والتسامح 3ثانوي

                   مقالة جدلية: العنف والتسامح.



طرح المشكلة: تعتبر القوانين والتشريعات الوضعية وحتى التشريعات السماوية أكثر ما تلجأ إليه المجتمعات لتنظيم العلاقات بين أفرادها. لكن ورغم ذلك يبقى السلوك الإجرامي الذي لم ولا يخلو منه أي مجتمع، يتنامى اليوم ويأخذ أشكالا فيما يسمى العنف. غير أن الفلاسفة وعلماء الإجرام وعلماء النفس والاجتماع اختلفوا حول مشروعية العنف. فمنهم من اعتبره ظاهرة إيجابية لها مبرراتها الطبيعية، وهناك من اعتبره ظاهرة مرضية سلبية لا يؤدي إلا إلى الدمار. فإذا كان العنف هو اعتداء وتخريب فهل يمكن أن يكون ظاهرة طبيعية مشروعة وهل يمكن تبريره كظاهرة إنسانية؟ أم أنه سلوك مرضي سلبي يفقد كل مبرراته ومشروعيته مهما كانت؟ وبعبارة أخرى: هل العنف سلوك إيجابي مطلوب أم أنه سلوك سلبي مرفوض؟ 

عرض الأطروحة: "العنف ظاهرة طبيعية لها مبرراتها ومشروعيتها".
يمثل هذه الأطروحة في الفلسفة اليونانية "هرقليطس"، كما يدافع عنها فلاسفة آخرين أمثال "مارسيل غابريل" وعالم الطبيعة "كلكلاس" وأيضا في علم النفس الطبيب النمساوي "فرويد" ومن أنصار الحتمية الطبيعية "انجلز" وزعيم مدرسة العقد الاجتماعي "جان جاك روسو". وكذلك الياباني "يوكيو ميشيما" كلهم يقدم مبررات لمشروعية العنف وضرورته واعتباره سلوكا إيجابيا معتمدين على مسلمات أهمها:
أن الحياة التي يعشها الإنسان ليست بالبساطة والسلامة التي تجعل منه رجلا مسالما وديعا. فمنذ بدأ الإنسان حياته. بدأها بالصراع وسيبقى كذلك من يجعل العنف يساوي الحياة. وفي هذا يقول "هرقليطس": "العنف أصل العالم ومحركه فلا شيء يأتي من اللاشيء فلكي تكون الأشياء لا بد من نفي الشيء وتحطيمه. فالقتال هو أبو سائر الأشياء وملك كل شيء والعنف خصوبة لكنه أيضا موت يتضمن الحياة. والأشياء تعرف بأضدادها ألا ترى أن الحياة تولد في رحم الموت". نفس الرأي نجده عند "كلكلاس" الذي يقول: "العنف والقوة مصدر كل سلطة إذا كان القوي في الطبيعة هو الذي يسيطر فإنه من العدل أن يكون الأمر كذلك في المجتمع الإنساني ففي الطبيعة اللبؤة تأكل صغيرها إذا ولد بعاهة لأنه مجال مفتوح على الصراع من أجل البقاء القوي يأكل الضعيف وكذلك في المجتمع الإنساني فمن العدل أن يكون الأقوى فيه هو المتفوق وصاحب السلطة". وهو ما أكد عليه أيضا "غابريال مارسيل" قائلا: "يعود أصل العنف إلى قصد عدواني متجها نحو شيء أريد نفيه. نفي الآخر الذي أحقد عليه وأكرهه أو آخذ في تحطيم نفسي التي أكرهها". يقول الأديب الياباني "يوكو ميشيما" مبررا العنف "بأنه استرخاص للحياة عندما أرى أن هوية اليابان الثقافية مهددة أمام الغزو الغربي" واختار الانتحار على الطريقة اليابانية حينما شق بطنه بنفسه قبل أن يقطع رأسه. اما عند المسلمين فاللجوء إلى العنف يبرره الدفاع عن النفس أو الوطن كوسيلة ضرورية للجهاد في سبيل الله. ولو أن الاختلاف ما زال قائما حول طريقة استخدامه. أما عند "انجلز" فالعنف هو أصل البناء. فأمام العنف الاجتماعي (اللامساواة الاجتماعية، الطبقية واللاعدل. الاضطهاد. الاستبداد والتعسف..) يوجد عنف مضاد عادل هو العنف الايجابي البناء الذي يهدف إلى تصحيح الوضع ومنع السلطة من استعباد شعوبها. فالثورة الأصلية في أساسها أخلاقية أمام الاضطهاد والظلم حيث تسترجع الحق المسلوب وتحقق العدل.

النقد: لكن إذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته والتي تعطيه المشروعية فإن ذلك لا ينطبق على المجتمعات الإنسانية فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد إلى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية. وإذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الإنساني أداة تدمير. كما أن الطبيعة الإنسانية تميل إلى اللاعنف والسلم لذلك شرعت القوانين وتعلمت من الحروب كيف تحافظ على الأمن والسلم.

نقيض الأطروحة: "لا يوجد في الطبيعة الإنسانية ما يبرر العنف إلا في كونه ظاهرة مرضية". يمثل هذه الأطروحة الديانات السماوية التي دعت إلى السلم ونبذ العنف بمختلف أشكاله، كما يدافع عنها الفيزيولوجي "فروم" وأيضا الزعيم الهندي "غاندي" والمحللين النفسانيين لظاهرة العنف على أنها ظاهرة مرضية معتمدين على مسلمات أبرزها:
طبيعة الكائن البشري مسالمة. فالعنف يعتمد على القوة العضلية وقوة الإنسان في حكمته وذكائه وليس في عضلاته. فالعنف تعبير عن ضعف لا قوة. ولقد اعتمد أنصار هذا الطرح على العديد من الأدلة والحجج لعل من بينها: قول الله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" والتعارف لا يتم بالسيطرة وإنما بالعلم والمعرفة وبالبناء الحضاري. وفي هذا يقول "غوسدروف": "إن ازدواجية الأنا والآخر تتألف في شكل صراع والحكمة من التأليف هو إمكانية التعارف والاعتراف المتبادل فيكون التوافق والاحترام، والعنف يهدم هذه العلاقة ويقطع كل التواصل بين الأنا والآخر". ومن هنا ينبذ الغضب الذي يسلب الإنسان توازنه ويجعله فريسة للجنون. كما يؤكد علماء الإجرام أن العنف ليس قدرا محتوما على اعتبار أن العنف يولد العنف أي أنه سلوك يمكن القضاء عليه بالقضاء على أسبابه فهو سلوك إنساني.
لهذا يرفض "غاندي" العنف رفضا مطلقا مهما كان شكله أو غايته. إذ يعرف "غاندي" اللاعنف كموقف كوني اتجاه الحياة بقوله: "هو الغياب التام لنية الإساءة تجاه كل ما يحيا بمعنى أن اللاععنف مثل العنف لا يقع على مستوى الفعل بل على مستوى النية أيضا". وموقف "غاندي" يماثل موقف المسيح عليه السلام الذي ينصح الإنسان بأن يدير خده الأيمن لمن يصفعه على خده الأيسر. فاللاعنف إذن ليس أسلوبا تخاذليا إنما هو أسلوب الحياة البشرية في محاربة الشر دون تغذية بعنف بديل.
النقد: لكن تاريخ البشرية هو تاريخ لسلب واغتصاب الحقوق لهذا من الطبيعي أن يواجه كل ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس والحق. كما أن تاريخ الثورات في العالم يؤكد أنها بدأت بطرق سلمية كالأحزاب السياسية لكن هذا الأسلوب لم ينجح فتم اللجوء إلى استعمال القوة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة (الثورة التحريرية الجزائرية وغيرها من الثورات التحررية).

التركيب: تتجاذب الإنسان نزعتان. نزعته للخير ونزعته للشر. إذا كانت نزعته للشر تدفعه للعنف والتدمير فإن نزعته للخير تدفعه للبناء والتعمير. وبما انه كائن بيولوجي يسعى للحفاظ على بقائه كدافع غريزي وجب إن لا يستعمل العنف إلا إذا كان ضروريا. (ابراز الرأي الشخصي ).

حل المشكلة: الحكمة الالهية أقرت بان يحارب العنف السلبي بنقيضه الإيجابي أي لا يرد العنف بالعنف بل بالحكمة واللاعنف لهذا نجد أن الأحزاب السياسية يسبق تكوينها كل ثورة وحتى إن نجحت الثورة المسلحة في تحقيق النصر فإنها لا تحصل على الاستقلال إلا بالمفاوضات السياسية. فالأساليب عند الإنسان كثيرة ومتنوعة لهذا من الخطأ أن يلجأ إلى العنف لأنه دليل فقدان الأساليب الدفاعية الناجحة وبالتالي لا مشروعية للعنف إلا إذا كان لاسترجاع الحقوق أو رد ظلم لم ينفع معه الحكمة واللاعنف. في هذه الحالة فقط يكتسب العنف مشروعيته وتكون له مبرراته الدفاعية....
                                      موقع الدراسة والتوظيف

همنا الوحيد هو نجاحكم في البكالوريا

شاركه مع اصدقائك

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق